الاثنين، ١٧ ديسمبر ٢٠٠٧

اصابة محمود البدوى فى حادث سيارة

فكر محمود فى شراء سيارة صغيرة يستخدمها فى سفرياته الكثيره ، وفى 4/5/1951 إشترى سيارة ملاكى جديدة ماركة فولكس واجن موديل 1951 لونها أخضر من شركة النقل الميكانيكى بالقاهرة بمبلغ خمسمائه وستين جنيها وواظب على شراء مجلة إسمها الموتور وتصدر كل اسبوعين عن دار المطبوعات الحديثه وتتضمن إرشادات لقائدى السيارات لصيانة السيارة وإصلاح الأعطال البسيطة المحتمل حدوثها أثناء السير وموضوعات أخرى وكان سعيدا باقتنائها ، ويجلس فى مقعد القيادة وبجواره زوجته وإبنته وينحشر فى المقعد الخلفى الشغالين ويقوم بجوله ، وسافر بها كثيرا إلى الأسكندرية وأسيوط والبلاد الواقعه بينهما .

* * *

فى أحد أيام شهر مارس وتحديدا صباح يوم 14/3/1952 إستيقظت زوجته وهى شاعرة بألم فى الأذن اليمنى ، وكان الجو شديد الحرارة كثير الغبار ، على خلاف الحالات فى شهر مارس ومضت أم محجوب مسرعة وحملت قليلا من الماء الساخن ووضعت الكمادات عليها ، ولكنها لم تحس بالراحة وإزداد الألم وتحاملت على نفسها وإرتدت ملابسها

وهبطا السلم ومحمود يحمل إبنته وركبوا السيارة وخرج من شارع البيت، وأثناء السير كانت زوجته تتأوه من الألم وهو ينظر يمنه ويسره على اليفط المعلقة على شرفات المنازل والتى تشير إلى طبيب أذن ليعالجها من علتها حتى وصل إلى ميدان الإسماعيلية ، ولمح لافته صغيرة تشير إلى طبيب أنف وأذن ، فركن السيارة جانبا ، وصعدوا إليه ومحمود يحمل طفلته وكان عمرها سنتين ، وأستقبلها الطبيب وعلى وجهه البشر والإيناس ومد يده وهو يبتسم ، فقد كانت العيادة خالية من المرضى ، وتحدث مع الزوجه ، وشرحت له آلامها ونظر وفحص وعرف السبب ، ونظف الأذن وغسلها وبدأ يزول الألم ، ونزلوا من عنده وركبوا العربة إلى البيت ، ونزلت زوجته وإصطحب محمود إبنته فى جولة بالسيارة ، ولكنه تذكر ميعاد له فعاد بها ، وركب السيارة وحده ومشى .

* * *

على حين غره ، وأثناء سيره بالسيارة فى مصر الجديدة إعترضته عربه كبيره تابعة للجيش المصرى قادمة مندفعة من طريق جانبى وصدمته صدمة عنيفة وهشمت سيارته وسحقتها وفرت بعد الحادث دون أن يلتقط رقمها أحد ، وكانت أم الملكة ناريمان فى شرفتها وأول من رأت الحادث ، فصرخت تنادى الحرس للحاق بسيارة الجيش الهاربة ، وإتصلت بالبوليس والاسعاف ، وجاؤا سريعا ، وكان الدركسيون حط على صدره ووجهه يدمى وقد غطاه الدم وحملوه على المحفة وهو غائب عن وعيه بين حى وميت ، وركب معه بعض الحرس ولم يتركوه وحده ، ومضت العربه فى الطريق إلى مستشفى الدمرداش ، وتم إسعافه بعملية نقل دم فى الحال من أحد الحراس المرافقين له والذى تبرع بدمه لعدم وجود دم كاف بالمستشفى فى الساعة التى نقل فيها ولولا هذا لمات ، ووضعت الضمادات على رأسه وصدره وذراعيه ، ونقل إلى الجناح الخاص بحرس القصر الملكى .

فى الساعة الرابعة من مساء ذات اليوم ، رن جرس التليفون بالبيت وكان المتحدث يحمل خبر إصابة محمود البدوى فى حادث سيارة ونقل إلى مستشفى الدمرداش ، ونزل الخبر على زوجته كالصاعقة وصرخت وجاء الجيران يتساءلون ويطمئنون على إبنته التى كانت معه ، وأجريت الإتصالات بعمه بالإسكندرية والأعمام بالقاهرة .

تزاحم الأهل بالمستشفى وأرادوا نقله إلى مستشفى خاص تتولى علاجه ، ولكن الطبيب رفض ذلك بشده لخطورة حالته على النقل وصرح لهم بالبقاء معه كيفما شاؤا .

لما رجع محمود إلى صوابه وفتح عينيه وجد نفسه ممددا على السرير لايقو على الحركة وحوله أقاربه الأقربين والأبعدين والدموع فى أعينهم ، وظهرت الفرحه على الوجوه بأن وهبه اللّه الحياه ، ثم أخذه النوم ، فجلسوا جميعا فى هدوء ينظرون إليه ووجهه يعبر عن آلامه ، وكثر المواسون والزائرون له ، وأخذت زوجته تلازمه ليلا ونهارًا حتى ظهرت عليه دلائل العافية واراد الخروج من المستشفى على مسئوليته وليكمل علاجه بالبيت .

ومنح من العمل أجازه طويله حتى إسترد فيها عافيته وشفى وبدأ يزاول نشاطه فى المشى والكتابه .

وتحرر عن الحادث الجنحة رقم 757 لسنه 1952 مصر الجديدة ، وباع السيارة بمبلغ 125 جنيها فى 1/6/1952 إلى ورشه جبور السيارات ، ولم يكرر محاولة إقتناء سيارة بعد ذلك أبدًا .

يقول صديقه عاشور عليش بصحيفة المساء 30/5/1963 "أذكر أنه فى عام 1950 إقتنى محمود البدوى سيارة صغيرة ، إشتراها لا ليركبها ويقودها داخل القاهرة وإنما إشتراها لهدف آخر بعيد ، هو أن يقوم برحلة بها حول العالم .. ولولا حادث مفاجئ أودى بالسيارة وأنقذ منه البدوى باعجوبه لكان البدوى قد قام برحلة حول العالم بالسيارة ولكن إرادة اللّه شاءت أن يقوم بها بالطائرات والبواخر"

* * *

عاد محمود إلى الخروج للعمل وفى المساء يصنع لنفسه القهوة (بن تقيل وسكر خفيف) ويرتدى ملابسه كامله ويجلس فى البلكونه وأمامه ترابيزة عليها لمبه مكتب ضوئها خافت ودورق مياه وكوب وأقلام رصاص وأستيكه، ويكتب ، وتدخل عليه إبنته قبل الذهاب إلى النوم ، فيترك ما فى يده ويداعبها ، ويربت على خديها ويضمها إلى صدره ، وحينما تشعر بالنعاس ، تشرب من المياه الموضوعه أمامه وتنصرف إلى حجرتها لتنام ، وذلك إذا كان الوقت صيفا ، وأما فى الشتاء ، فيجلس فى حجرته بجوار الشباك يكتب بالقلم الرصاص وقد يحمل حقيبته وبها أوراقه واقلامه ويخرج إلى كازينو بميدان تريومف يكتب أو يقرأ إذا كان الجو لطيفا .

ويقول تبارك بمجلة الفن الصادره فى يوم الإثنين 4 يوليه 1955 تحت عنوان كيف يكتبون فى الصيف .. "وفى أقصى مصر الجديدة يعيش الأديب الأستاذ محمود البدوى .

ومحمود البدوى لا يكتب فى الصيف إلا إذا توافرت شروط خاصة منها.. أن يكون مرتديا ملابسه كاملة ولابد أن يجلس كذلك فى مكان يستطيع منه مشاهدة السماء .. ثم يبدأ فى الكتابه .

وفى الصيف لا يجد الأستاذ البدوى مكانا أصح للكتابه فى منزله .. من "البلكون" فيجلس على مقعد مريح وأمامه منضده عليها أوراقه وبعض الأقلام الرصاص التى تعود دائما أن يكتب بها ..وعلى المنضده "لمبه مكتب" ينبعث منها ضوء هادئ .. ويظل الأستاذ البدوى غارقا فى الكتابة ولا يفيق إلا عندما تأتى إبنته "ليلى" لتستعير منه قلم رصاص أو أستيكه .. أو لتشرب من ماء الدورق الذى أمام والدها .. فإن المياه التى أمامه .. تختلف فى نظر إبنته عن بقية أنواع المياه الأخرى .

وعندما يضيق الأستاذ البدوى ذرعا بابنته .. يحمل أوراقه وأقلامه الرصاص .. ويجلس فى أقرب كازينو من منزله .. وبعد ساعات يعود إلى منزله .. ويجلس فى مكانه المعتاد ليواصل كتابته من جديد بعد أن ينام جميع أفراد أسرته ، وبقدر مدة نومه بعد الظهر .. تطول أو تقصر مدة كتابته .."

ليست هناك تعليقات: