الاثنين، ١٧ ديسمبر ٢٠٠٧

مدرسة أسيوط الإبتدائية ـ التعليم الإبتدائى

التعليم الابتدائى بمدينة أسيوط

تقدم محمود للالتحاق بمدرسة أسيوط الابتدائية ، وكانت تجرى فى ذلك الوقت إختبارات تحريرية وشفوية لراغبى الالتحاق بهذه المرحلة من التعليم ، ويمر منها من يجيد القراءة والكتابة ويعرف قواعد الحساب وحلها ، وإجتاز الإمتحان ودخل المدرسة ، وكان يقيم فى المدينه شقيقه الاكبر محمد الذى كان يدرس بمعهد أسيوط الدينى الازهرى ، فأقام معه ، وكان يقوم على خدمتهما ورعاية شئونهما رجل من عند والده ومن أهل القرية ، وأنهى شقيقه دراسته من المعهد وإنتقل إلى القاهرة لاستكمال تعليمة قبل أن يتم محمود دراسته الإبتدائيه .

وجد محمود نفسه وحيداً ، وكانت تجربته الاولى التى يعيش فيها بمعزل عن أحد أفراد أسرته ، ومن هنا نشأت عنده ضرورة الاعتماد على النفس ، وكان والده يجئ للاطمئنان عليه والاطلاع على أحواله فى بعض أيام الأسبوع.

يخرج محمود من المدرسة يوم الخميس ، يجد الحمار الأبيض الخاص به والذى كان يركبه وهو صغير مع أحد الخدم فى إنتظاره ليركبه ويصل به إلى القرية لقضاء ليلته فيها ـ كان يوجد لدى والده خيول ولكنه كان يخشى عليه من ركوبها ـ ويشعر بسعادة طاغيه ، فيركب الحمار ويستوى عليه ويتخذ هيئة الفارس ويحرك رجليه ليحثه على الاسراع ، ويسرع والغبار يتطاير من أرجل الدابه ، ويركب المعدية لعبور النيل وإختصار الطريق ، فالقرية فى العدوة الأخرى من النيل ، كل ذلك ليقضى ليلته فى الحقول ووسط الفلاحين ومع رفقائه فى القرية ، وكانت سعادته الحقه وهناؤه فى أثناء فترة الاجازه الصيفية .

كان أهل القرية جميعا دون إستثناء رجالاً وأطفالاً يجيدون السباحة والغوص تحت الماء ، ومحمود يتسابق مع رفقائه ولا يشعرون بخوف ولا رعب ولا يرهبون الماء ولا يخافون الغرق ، وقد يخرجون بزورق صغير ويجدفون ويبعدون عن القرية ويتوغلون إلى الجانب الآخر من النيل ، إلى جزيرة القرية الصغيرة ( جزيرة الأكراد ) حيث يوجد جزء من أراضى العائلة ، وهناك يستقبلهم الفلاحون بالبشر والترحاب ويجلسون حولهم خارج العرائش ، ويتندرون ويفيضون بأعذب الاقاصيص والسير ويوقدون النار فى الدريس لعمل الشاى ، ويجذبون سمعه بحكاياتهم الشيقه ، ويمر عليهم فى جلستهم رجال الليل بأثوابهم الداكنه ، مغطين رؤوسهم وأعناقهم بالملاحف وهم مسلحين بأحدث طراز من البنادق وهم الذين اذا دخلوا قرية فى وضح النهار أرعبوها وأفزعوا أهلها والذين كانت الفرائص ترتعد لذكرهم والقلوب تنخلع لوقع أقدامهم ، ويجلسون معهم يشربون الشاى ويقصون عن مغامراتهم فى الليالى السوداء وهم يسطون على العزب والمزارع الغنية لبعض الثراه ويحكون عن حوادثهم مع القرويين الذين يتأخرون فى الحقول والتجارالعائدين من الاسواق .

ويقول محمود .. " كان رجال الليل يمرون علينا ونحن فى الاجران والغيطان ، وكنا نتبادل الاحاديث ونشرب الشاى ، وباختصار فقد كانت السنوات الثمانى عشر الاولى من حياتى ريفيه بمعنى الكلمة
(1) " " وقد يعجب القارئ إذا علم أن رجل الليل لا يغدر ولا يخون من أمنه .. ويعتبر الغدر خيانه تصمه بالعار ، وتجرده من صفاته كرجل ( إنقرض هذا الرجل الآن .. وبقى ظله وفيه كل صفات الخساسة والوضاعة ) ويدفعه إلى القتل والشر ، حوادث فردية تصيبه بمثل القارعة فتغير من نظام حياته .. وكل إنسان فيه الخير والشر .. وتبعا للظروف والاحوال تبرز هذه الصفة وتضعف تلك .. والشر اكثر الطباع ضراوة عند الإحساس بالظلم(2) " .

يخرج محمود وحده فى بعض الليإلى بزورق صغير يجدف ويسير فى النيل إلى أن يصل إلى سد أسيوط فيمد الحبل ويربطه فى أحد الاشجار على الشط، ويتنزه على الجسر حتى تنقضى فترة من الليل ويعود من حيث أتى مرتاح النفس ناعم البال .

ليست هناك تعليقات: