الاثنين، ١٧ ديسمبر ٢٠٠٧

المرور على المكتبات

المرور على المكتبات

كان يهوى المرور على المكتبات ويتفحص عناوين الكتب دون كلل أو ملل ولوظل نهار اليوم كلة يسير على قدميه ، فكان مغرما بقراءة الكتب القديمة النادرة الطبع واقتنائها ، فهى فى نظره تحمل فى طياتها أسرار القرون وعبير الدهور ، فيشترى منها ما يستطيع دفع ثمنه .

وفى أحد الأيام وكان يسير فى مدينه أسيوط أثناء عطلة الأجازة الصيفية ، ذهب إلى مكتبه أدبيه يمت له صاحبها بصله قرابه لشراء بعض الكتب الأدبية فوجد عنده داخل المكتبه شخصين معممين جالسين ويقرأ الأول فى كتاب البيان والتبين للجاحظ وبجواره الثانى ينصت ويستمع اليه وعرفه صاحب المكتبه بهما ، والأول هو محمد على غريب المحرر فى جريدة عظمة الشرق بأسيوط والثانى هو أحمد الحجار من تلاميذ الجاحظ ومن أشد الناس إعجابا به، وتوطدت بين الجميع صداقه قويه ( إستمرت حتى نهاية العمر )

ويقول البدوى .. " التقيت بمحمد على غريب لأول مرة عام 1924 فى مكتبه أدبيه بمدينه أسيوط .

وكان جالساً داخل المكتبة يدخن الشيشة ويقرأ فى كتاب البيان والتبيين للجاحظ ، وكان يلبس معطفاً بنى اللون به خطوط بيضاء خفيفة ، وتحت هذا جلابية بيضاء ( افرنجى ) وعلى رأسه عمامه صغيرة كورها كما إتفق .. فلم يكن حسن الهندام .. وكان فى طرف ذقنه شعرات .. وفى جبينه خطوط مع أنه لم يتجاوز العشرين .. وكان بجواره شاب معمم فى مثل سنه ولكنه أطول منه قامه وأكثر نحولاً .. وعرفته أيضاً وهو الاستاذ أحمد الحجار ، وكان غريب يلازم الحجار ملازمه الظل .. والحجار أديب ممتاز من تلاميذ الجاحظ ومن أشد الناس إعجابا به ، وفى بيته مكتبة أدبية عامرة .. فكان غريب يذهب إلى بيت الحجار ويقرأ هذه الكتب ، وكان الاثنان من طلبه الأزهر ولكنهما لم يكونا يحضران الدروس .. وكان غريب ثائرا على الأزهر .

وكان وهو فى الأزهر يحرر فى جريدة إقليمية تصدر فى أسيوط إسمها «عظمة الشرق » وكان يكتب فى هذه الجريدة بابا إسمه الظرفاء وينشر فيه كل اسبوع بالخط الاسود الكبير أسماء سبعه أو ثمانية من الظرفاء .. وكان يقصد بالظرفاء الذين يستثقلهم الناس ؛

وحدث أن وضع فى هذه القائمة شخصا إسمه المعصرانى على ما أذكر .. فجاء هذا المعصرانى وجلس على قهوة مقابله للمكتبه وأخذ يسب جريدة " عظمة الشرق " وصاحبها ومحرريها من العصر إلى الغروب .. وغريب جالس داخل المكتبة يشرب الشيشة فى برود ولا يتحرك ولا ينبس .. وكأن الأمر لا يعنيه .

ومع هذا فقد إستمرت هذه الجريدة تنشر أسماء هؤلاء الظرفاء .. والنتيجة الطبيعية لهذا أن سجن صاحب الجريدة وهرب غريب إلى القاهرة
(1) وغاب فى زحمة المدينة .. وإشتغل محرراً فى مجلة الرسول ، وكان صاحبها يتخذ من مطبعة صغيرة بباب الخلق مقرا ومكتبا .

ليست هناك تعليقات: